منذ 4 أيام
دراسة جديدة تفكك لغز تدمير تماثيل حتشبسوت بعد وفاتها
كشفت دراسة أثرية جديدة أن تماثيل الملكة حتشبسوت، إحدى أبرز حاكمات مصر القديمة، لم تُحطم بدافع الانتقام أو الكراهية، كما هو شائع، بل كُسرت عمدًا لإعادة استخدامها في أعمال بناء لاحقة.
الدراسة، التي أعدّها الدكتور جون يي وونغ من جامعة تورنتو، ونُشرت في مجلة Antiquity، استندت إلى وثائق وصور وملاحظات ميدانية غير منشورة تعود لبعثات التنقيب في عشرينيات القرن الماضي بموقع الدير البحري في الأقصر.
تولت حتشبسوت الحكم خلال الأسرة الثامنة عشرة، وفرضت سلطتها كـ"فرعون" في فترة شهدت ازدهارًا سياسيًا وتجاريًا ومعماريًا واسعًا. وهي ابنة الملك تحتمس الأول، وزوجة غير شقيقة لتحتمس الثاني. وبعد وفاته، أصبحت وصية على ابنه الصغير تحتمس الثالث، ثم نصّبت نفسها فرعونًا مشاركًا.
ولتأكيد شرعيتها، غيّرت حتشبسوت اسمها إلى صيغة ذكورية، وارتدت اللباس التقليدي للفراعنة الذكور بما فيه اللحية الاصطناعية. وقد وصفتها الباحثة الأمريكية كارا كوني بأنها "المرأة الأقوى والأكثر نجاحًا في حكم العالم القديم."
إعادة بناء الوجه.. وتفكيك الأسطورة
خلال القرن العشرين، اعتُبرت حملة تدمير تماثيل حتشبسوت عملًا انتقاميًا نفذه تحتمس الثالث بهدف محو أثرها من الذاكرة الرسمية. لكن الدكتور وونغ يرى أن هذه الرواية بحاجة إلى مراجعة.
وبحسب الدراسة، فإن تحليل التماثيل المتضررة أظهر أنها كُسرت في نقاط ضعف محددة مثل العنق والخصر والركبتين، في ما يبدو تفكيكًا منهجيًا بغرض إعادة استخدامها في البناء، وليس تدميرًا عشوائيًا مدفوعًا بالغضب.
كما لُوحظ أن العديد من الوجوه بقيت سليمة تقريبًا، وهو ما يتنافى مع فكرة التشويه المتعمد. ويرى الباحث أن هذه الممارسة تُعرف باسم "إبطال القداسة"، وهي طقس جنائزي كان يهدف إلى نزع الهالة الرمزية عن تماثيل الحكام بعد وفاتهم، وليس بالضرورة دلالة على عداء شخصي.
ورغم أن الدراسة تؤكد أن دوافع إعادة استخدام التماثيل كانت في الغالب عملية أو رمزية، فإنها لا تستبعد تمامًا وجود حملة لتقليص نفوذ حتشبسوت الرمزي بعد وفاتها. فقد واجهت تحديًا فريدًا في مجتمع ذكوري، وحكمها المستقل – الذي دام قرابة 20 عامًا – ربما أثار حساسية سياسية في أوساط السلطة الذكورية لاحقًا.
تُوفيت حتشبسوت عام 1458 قبل الميلاد، ويُعتقد أنها توفيت جراء الإصابة بسرطان العظام. وقد عُثر على رفاتها في وادي الملوك عام 1930، لكن لم يتم التعرف عليها رسميًا إلا عام 2007، عبر تحليل الحمض النووي ومقارنة الأسنان بمومياء أخرى قريبة.
يُعد معبد حتشبسوت الجنائزي في الدير البحري من أبرز إنجازاتها المعمارية، ويقع بالقرب من معبدي منتوحتب الثاني وتحتمس الثالث، في مشهد بصري يعكس التنافس الرمزي بين السلالات.
اليوم، يُعد المعبد أفضل المعالم المعمارية حفظًا من تلك الحقبة، بينما تُعرض بعض تماثيل حتشبسوت، بما فيها تمثالها في هيئة "أبو الهول"، في متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك.